مقدمة:
يعد المغرب من بين الدول التي تعاني من تزايد التحديات المرتبطة بالشح المائي، وذلك نتيجة التغيرات المناخية، والنمو الديموغرافي المتسارع، وتزايد الطلب على الموارد المائية. في هذا السياق، تبنت المملكة استراتيجيات وسياسات وطنية هدفها الحفاظ على الموارد المائية وضمان استدامتها. ولعل أحد أهم هذه السياسات هو تبني التقنيات الحديثة في تدبير المياه على المستوى الوطني والمحلي. وقد أكد جلالة الملك محمد السادس في خطبه على أهمية هذه القضية الوطنية، ودعا إلى تعزيز الجهود في مواجهة هذا التحدي الحيوي. وفي هذا الإطار، تأتي مبادرة الشركة الجهوية متعددة الخدمات SRM الدار البيضاء – سطات كأحد النماذج الحديثة التي تساهم في تقليص تبذير الماء وتحسين التدبير المائي في جماعة الدار البيضاء.
الموضوع:
- الشح المائي في المغرب: أرقام ومعطيات يشهد المغرب تراجعاً كبيراً في الموارد المائية الطبيعية، حيث يعاني من نقص حاد في التساقطات المطرية وانخفاض مستويات المياه الجوفية والسطحية. وفقًا لتقرير المندوبية السامية للتخطيط (2022)، فقد انخفض معدل التساقطات المطرية بنسبة تقارب 30% مقارنة بالسنوات الماضية، مما أدى إلى تراجع حصة الفرد من المياه من حوالي 2500 متر مكعب سنويًا في الستينيات إلى أقل من 600 متر مكعب في الوقت الحالي، أي أقل من العتبة الحرجة التي حددتها منظمة الصحة العالمية وهي 1000 متر مكعب. يساهم هذا الوضع في تفاقم الضغط على الموارد المائية بالمملكة، خصوصًا في المدن الكبرى والمناطق الزراعية التي تعتمد بشكل كبير على المياه في الأنشطة الاقتصادية. لمواجهة هذه الأزمة، أطلق المغرب المخطط الوطني للماء 2020-2050، وهو استراتيجية تهدف إلى تعزيز الاستدامة المائية عبر مجموعة من الحلول، من بينها بناء السدود، تحلية المياه، وإعادة استخدام المياه العادمة.
- تقنيات حديثة لمواجهة الشح المائي: لم يعد الاعتماد على الحلول التقليدية، مثل بناء السدود، كافيًا لمواجهة الشح المائي المتزايد. ومن هنا جاء اعتماد المغرب على التقنيات الحديثة في تدبير الموارد المائية، ومن أبرزها:
- تحلية مياه البحر: من أبرز الحلول التي اعتمدها المغرب لمواجهة نقص المياه في المناطق الساحلية. محطة تحلية المياه في آسفي هي مثال على هذا الجهد، حيث تسهم في توفير مياه الشرب والري لآلاف المواطنين والمزارعين في المنطقة. محطة آسفي تستطيع إنتاج ما يصل إلى 60 مليون متر مكعب من المياه المحلاة سنويًا.
- إعادة استعمال المياه العادمة المعالجة: المغرب يستخدم هذه التقنية بفعالية في بعض المدن مثل مراكش، حيث يتم إعادة استخدام المياه العادمة لري المساحات الخضراء. هذه التقنية تمكن من تقليل الضغط على الموارد المائية الطبيعية، إذ تشير الإحصائيات إلى أن حوالي 30% من المياه المستخدمة في الري في المدن الكبرى مثل مراكش تأتي من المياه العادمة المعالجة.
- تقنيات الري بالتنقيط: القطاع الزراعي، الذي يمثل حوالي 80% من استهلاك المياه في المغرب، استفاد بشكل كبير من تقنيات الري بالتنقيط التي تساهم في ترشيد استهلاك المياه بنسبة تصل إلى 50% في بعض المناطق الزراعية، مما يعزز من كفاءة استخدام الموارد المائية.
- دور الشركة الجهوية متعددة الخدمات SRM الدار البيضاء – سطات في ترشيد استهلاك المياه: في إطار التحديات المتعلقة بتدبير الموارد المائية على المستوى المحلي، تم إنشاء الشركة الجهوية متعددة الخدمات SRM بجهة الدار البيضاء-سطات، وهي نموذج جديد يهدف إلى تحسين إدارة الخدمات المتعلقة بالماء والكهرباء وتطهير السائل. هذه الشركة التي تم إحداثها بشراكة بين الجماعات الترابية والقطاع الخاص، تهدف إلى تقديم حلول مبتكرة لتقليص هدر المياه في مدينة الدار البيضاء، التي تعاني من ضغط متزايد على مواردها المائية. وفقًا لدراسة أصدرتها وزارة الداخلية في 2023، تهدف SRM إلى تقليص نسبة المياه المهدورة في الشبكات العمومية بالدار البيضاء بنسبة 20% خلال الخمس سنوات المقبلة، وذلك من خلال:
- تحسين شبكة توزيع المياه: باستخدام تقنيات رقمية متطورة لمراقبة تدفق المياه وكشف التسربات بسرعة، مما يمكن من التدخل الفوري.
- تشجيع إعادة استخدام المياه العادمة المعالجة: تقوم الشركة بتوسيع محطات معالجة المياه العادمة في المدينة لاستخدامها في ري المساحات الخضراء والصناعات، مما يساهم في تقليل استهلاك المياه الصالحة للشرب.
- التحول الرقمي في تدبير المياه: تعتمد SRM على أنظمة رقمية لتتبع استهلاك المياه وإدارة الموارد بكفاءة أعلى. تساهم هذه الأنظمة في تحسين الشفافية وتوفير بيانات دقيقة حول استهلاك المياه لكل فرد أو مؤسسة، مما يساعد على تقليص الاستهلاك الغير الضروري.
- خطاب جلالة الملك محمد السادس حول قضية الماء: في خطبه الرسمية، حرص جلالة الملك محمد السادس على التأكيد مرارًا على أهمية الحفاظ على الموارد المائية وضمان استدامتها. في خطاب افتتاح الدورة البرلمانية لسنة 2022، شدد الملك على أن قضية الماء تشكل تحديًا حقيقيًا للمغرب في ظل التغيرات المناخية والضغط المتزايد على الموارد المائية. ودعا جلالته إلى تسريع وتيرة بناء السدود وتعزيز الاستثمارات في تحلية المياه، مشيرًا إلى أن الحفاظ على الموارد المائية مسؤولية جماعية تقتضي تضافر جهود جميع الفاعلين، سواء في القطاع العام أو الخاص. وأكد جلالته على أهمية تسريع تنفيذ مشاريع معالجة المياه العادمة وتوسيع استعمالها في القطاعات غير المرتبطة بالمياه الصالحة للشرب، مثل الزراعة والصناعة.
الخاتمة:
تعتبر تجربة المغرب في مواجهة الشح المائي من خلال تبني تقنيات حديثة مثالاً يُحتذى به في الإدارة المائية المستدامة. ومع تطور مبادرات مثل الشركة الجهوية متعددة الخدمات SRM الدار البيضاء – سطات، يمكن تحقيق نتائج ملموسة في تقليص تبذير المياه وتحسين جودة التدبير المائي. ومع استمرار تنفيذ مشاريع مثل تحلية المياه وإعادة استعمال المياه العادمة، وتوجيهات جلالة الملك محمد السادس، يظهر أن المغرب يسير في الاتجاه الصحيح نحو تحقيق الأمن المائي وضمان استدامة موارده للأجيال القادمة.