التحول الرقمي في الإدارة العمومية المغربية: نحو عصر جديد من الكفاءة والشفافية

مقدمة:

في ظل التطورات التكنولوجية السريعة، أصبحت الرقمنة واستعمال التقنيات الحديثة من الأولويات الأساسية للإدارة العمومية المغربية. استجابةً لتوجيهات صاحب الجلالة الملك محمد السادس، عملت الحكومة المغربية على تبني استراتيجيات متكاملة تهدف إلى تحسين الأداء الإداري، تعزيز الشفافية، وتقديم خدمات عمومية رقمية متطورة. تشكل هذه التحولات ركيزة أساسية لمواكبة المتغيرات العالمية وتحقيق أهداف التنمية المستدامة. ويُعد القانون رقم 55.19 المتعلق بتبسيط المساطر والإجراءات الإدارية، أحد أهم الأدوات القانونية التي تدعم هذا التوجه، خاصة على مستوى الجماعات الترابية.

الموضوع:

  1. التقنيات الحديثة في الإدارة العمومية المغربية: يشكل تبني التقنيات الحديثة والمنصات الرقمية في الإدارة العمومية المغربية نقطة تحول هامة في تحديث المنظومة الإدارية. يهدف هذا التبني إلى تحسين جودة الخدمات وتيسير الحصول عليها عبر الإنترنت دون الحاجة إلى التنقل، مما يقلل من الزمن المخصص لمعالجة الملفات الإدارية. تمثل “البوابة الوطنية للإدارة العمومية” (إدارتي) مثالاً بارزاً على ذلك، حيث تتيح هذه المنصة تقديم مجموعة واسعة من الخدمات، من بينها تصاريح الميلاد والزواج، والحصول على الشهادات الإدارية. وفقاً لتقرير وزارة الاقتصاد والمالية وإصلاح الإدارة (2021)، فإن حوالي 60% من الإدارات العمومية بالمغرب تبنت حلولاً رقمية لتقديم خدماتها، بينما ارتفع عدد الطلبات المقدمة عبر منصات رقمية بنسبة 45% مقارنة بالسنوات السابقة. كما يهدف برنامج “الحكومة الإلكترونية” إلى تحسين ترتيب المغرب في المؤشر العالمي لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات.
  2. القانون رقم 55.19 وتبسيط المساطر الإدارية: يعتبر القانون رقم 55.19 المتعلق بتبسيط المساطر والإجراءات الإدارية أحد الركائز القانونية التي دعمت الرقمنة. يهدف هذا القانون إلى تحسين العلاقة بين الإدارة والمواطن من خلال تحديد الآجال القانونية للرد على الطلبات، وتقليص حجم الوثائق المطلوبة، واعتماد الوسائل الإلكترونية في التواصل. ويُلزم القانون جميع الإدارات العمومية بتبني النظام الرقمي لمعالجة الطلبات وإصدار التراخيص الإدارية، وهو ما يشكل نقلة نوعية في تسيير العمليات الإدارية ويعزز الشفافية. على سبيل المثال، تنص المادة 5 من القانون 55.19 على ضرورة تقديم الإدارة الرد على طلبات المواطنين في غضون 60 يومًا، وفي حالة عدم الرد تعتبر الموافقة ضمنية، وهذا يعزز من فعالية الخدمات ويقلل من حالات التأخير.
  3. الجماعات المحلية والتحول الرقمي: تلعب الجماعات المحلية دوراً محورياً في تحقيق الرقمنة على المستوى المحلي. فإلى جانب دورها في توفير الخدمات الأساسية، أصبحت اليوم مسؤولة عن تنفيذ عمليات رقمية تتيح للمواطنين الوصول إلى الخدمات بشكل أسهل وأسرع. وتشمل هذه الخدمات إصدار رخص البناء، رخص استغلال الأنشطة الاقتصادية، وتسجيل العقود، وهي خدمات أصبحت متاحة عبر منصات رقمية مثل “البوابة الوطنية للجماعات الترابية”. وفقاً للتقرير السنوي لوزارة الداخلية (2022)، فإن أكثر من 70% من الجماعات الحضرية بالمغرب تعتمد على المنصات الرقمية لتسيير الخدمات العمومية. كما تم تسجيل انخفاض بنسبة 30% في المدة الزمنية اللازمة لمعالجة الطلبات الإدارية بفضل الرقمنة، مما يعكس نجاح التحول الرقمي في تحسين فعالية الأداء الإداري.
  4. التحولات الرقمية وتأثيرها على الحوكمة والشفافية: إن إدخال التكنولوجيا في الإدارة العمومية لا يقتصر على تحسين الكفاءة، بل يساهم بشكل كبير في تعزيز الحوكمة الجيدة والشفافية. فالمواطن اليوم بإمكانه تتبع حالة طلبه عبر المنصات الرقمية، مما يقلل من فرص الفساد ويساهم في بناء علاقة ثقة بين الإدارة والمواطن. إضافة إلى ذلك، فإن القوانين التي تحكم استخدام التكنولوجيا في الإدارة، مثل قانون حماية البيانات الشخصية (القانون رقم 09.08)، تضمن حماية حقوق المواطنين فيما يتعلق بالمعلومات الشخصية.

الخاتمة:

لا شك أن استعمال التقنيات الحديثة والمنصات الرقمية في الإدارة العمومية المغربية، وخاصة على مستوى الجماعات، يشكل نقلة نوعية في تحسين جودة الخدمات وتيسير حصول المواطنين عليها. بفضل الأطر القانونية الداعمة مثل القانون رقم 55.19، وبمساهمة مبادرات الحكومة الإلكترونية، يقترب المغرب من تحقيق تحول رقمي شامل يعزز من الشفافية، الفعالية، والحوكمة الجيدة. هذا التوجه الرقمي يضع الإدارة العمومية المغربية في مصاف الدول التي تعتمد على التكنولوجيا الحديثة كأداة أساسية لتطوير الخدمات وتحقيق التنمية المستدامة.

Scroll to Top
Verified by MonsterInsights